قبور 5 نجوم


قبور 5 نجوم
الثلاثاء 23 جمادى الأولى 1432 ـ الموافق 26 أبريل 2011
قبور 5 نجوم
بقلم فضيلة الشيخ :- محمود محمد شمردن
سمعنا عن فنادق الخمس نجوم والتي لا يعرف طريقها إلا الأغنياء وأصحاب الثروات والذين زاد عددهم في مصر خلال نظام الرئيس السابق حسني مبارك الفاسد أما غالبية الشعب المصري فإما محشور في بيت صغير أو البعض يسكن القبور ليس من باب الزهد في الدنيا أو البعد عن الضوضاء وإيثار حياة العزلة وإنما لقلة ذات اليد وتعمد النظام السابق إفقار المصريين وإشغالهم بالبحث عن لقمة العيش ليلاً وصباحاً, بينما هم تربعوا على عرش البلاد ونهبوا خيراتها وثرواتها على الرغم أنهم قلة لا تتعدى 5%من الشعب المصري المسكين والمطحون.
هذه الأيام حملت لنا أخباراً جعلت الإنسان يفقد توازنه وكاد عقله أن يطير من هول ما يسمع لولا أن التثبيت من الله تعالى لهلك الواحد منا كمداً وضيقاً وألما و يتذكر قول الله تعالى: ( وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ).
هل سمع أحدنا عن المقابر ذات الخمس نجوم؟
وأين هي ؟ وما هي قصتها؟
ولماذا يبنيها أصحابها هكذا؟
وما الذي يعود عليهم من وراء ذلك؟
وهل هي سبب لتخفيف العذاب أو الحساب على مَن فيها؟
وهل هو نوع من التقرب إلى الله تعالى ببنائها وتشييدها؟
لا أطيل عليك أخي القارىء الحبيب وأرجوك أن تتمالك أعصابك وأن تقرأ هذا الخبر وأطلب منك أن تتناول كوبا ً من الليمون ليخفف عنك الضغط, نشرت جريد الأهرام في عددها الصادر يوم السبت الموافق 16-4-2011 في الصفحة 11 الخبر الآتي ( أما مقبرة أسرة مبارك بمصر الجديدة فقد تكلفت 30 مليون جنيه, حيث أشرف على بنائها مهندسون من باريس, المقبرة بها تكييف مركزي وتليفون دولي ويكسو أرضيتها وجدرانها رخام مستورد طارد للذباب وسجاد إيراني أحمر اللون , وصالونات وحجرة بها مقتنيات خاصة وصور لمبارك وأسرته).
ونريد تحليل هذا الكلام ومحاولة السعي لمعرفة المغزى من وراء بناء مقبرة بهذه التكاليف الباهظة, لقد ارتفع ضغط الدم على الشعب المصري والذي يسمع كل يوم حجم الفساد الذي ارتكبه هؤلاء الأقزام وكيف لعبوا بمقدرات الأمة ونسوا أن هناك شعباً يريد أن يعيش عَيش
الأحرار, واللهِ هذا الموضوع حيرني وقد جعلني أضرب كفاً على آخر وأقول حسبنا الله ونعم الوكيل في هؤلاء الظالمين والمجرمين الذين باعوا كل شيء جميل وقتلوا بداخلنا كل معنى طيب, وهنا أحاول تقديم تفسير منطقي إلى حد ما ربما يقرب لنا الصورة عن أحلام وتطلعات أصحاب الحكم في بلادنا.
جمال مبارك في الفترة الأخيرة وخاصة السنوات الخمس كان هو الحاكم الحقيقي والذي يدير البلاد بواسطة مجموعة من المحيطين حوله وممن على شاكلته ممن يعيشون على لحوم الشعوب المقهورة, أما مبارك الأب فقد صار كلاً على أسرته ولا يسمن ولا يغني من جوع,ولقد أزاح جمال كل الوجوه القديمة من طريقه ليسهل له السيطرة الكاملة على مصر المحروسة دون منازع أو شريك .
وفكرة التوريث كانت تسير بخطى ثابتة وبطريقة تدريجية حتى لا يشعر المواطن البسيط من أن أمراً يدبر له في السر ينتزع منه حقه في اختيار حاكمه برضاه ودون وصاية من أحد,وكانت الخطة تنفذ إعلاميا ً وسياسياً ليصبح جمال مبارك هو رئيس مصر الفعلي وكأنه قدر مكتوب لا مفر منه ولا هروب,وما على الجميع إلا الرضا بهذا القدر المكتوب لينالوا جزاء الصابرين ويكونوا من الراضين بقضاء الله تعالى وقدره.
 وطبقاً لهذا السيناريو المعد سلفا من قِبل جمال ومستشاريه الذين يزينون له الباطل وأوحوا إليه بأنه العريس القادم لمصر وما هي إلا شهور قليلة ويتم عقد الزواج والدخول بهذه العروس والتي هي تتلألأ بهاء وضياء ونوراً وجمالا,ويكون لجمال مبارك وحده حق الاستمتاع بعروسه ولا يجوز لأحد كائناً مَن كان أن يشاركه فيها أو حتى مجرد النظر لجمالها وطلعتها فضلاً عن مغازلتها عن بعد خوفاً من بطشه وانتقامه.
وبعد وصول جمال وتنصيبه رئيساً لمصر ويتسلم مقاليد الأمور ويباشر الحكم بالفعل إذا بقدر الله تعالى يصيب الوالد-حسني مبارك- وينفذ فيه (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) وينادي المنادي في أرجاء البلاد:حسني مبارك مات, حسني مبارك مات, وستشيع جنازته يوم كذا في مكان كذا....
وهنا يقوم الابن البار بإظهار البر بوالده الذي خدم البلاد على مدار العقود الماضية بعمل جنازة يتحدث عنها الناس طوال حياتهم وتكتب حولها الروايات والقصص, ويطلق على الابن: الرئيس البار والرئيس صاحب الخلق الرفيع وغير ذلك من الصفات التي ترفع قدره ليلحق بركب الصالحين ويسجل اسمه في ديون الخالدين.
ومن المنتظر-كما أتخيل- أن يشارك في تشييع الجنازة رؤساء الدول من جميع أنحاء العالم لمواساة الابن في هذه المصيبة التي أحلت به وليربطوا على قلبه وبالتالي فهي جنازة عالمية فلابد من إخراجها بصورة تتناسب مع قدر مصر على جميع المستويات سواء الأفريقية أو العربية أو الإسلامية أو العالمية, ومن هنا بدأ الرئيس المنتظر في التفكير لتغطية هذا الحدث التاريخي الهام وليؤكد زعامته وريادته كوالده تماماً ,وأخذت الأسئلة تتابع على عقل جمال مبارك:
أين ينتظر الرؤساء لحين تجهيز الجنازة؟
هل يقفون في الشمس الحارقة؟
وماذا يصنع لو مات والده مثلاً في فصل الصيف حيث الحر الشديد وكثرة الذباب التي تضايق وجوه زعماء العالم؟
وماذا يفعل لو أراد أحد الرؤساء الاتصال بدولته هل المكان مناسب؟
كل هذه التساؤلات دارت في خلد الرئيس المنتظر-والله أعلم- والذي أخذ يعد العدة للتخفيف عن الضيوف ولا سيما وأن مصر معروفة بكرم شعبها ومن تعاليم ديننا أن إكرام الضيف من علامات الإيمان.
ولأن الجنازة عالمية وستكون وساءل الإعلام المختلفة تغطي الحدث لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة وسيتم التركيز على شكل القبر وتصميمه لذا قررت الأسرة الحاكمة أن يتم إسناد تصميم القبر لمهندس من باريس ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة:هل تصميم القبر تم على الطراز الغربي؟أم على الطراز الفرعوني ؟ أم على الطراز الإسلامي؟
وإن كنا نستبعد إبعاد النموذج الإسلامي من الحسبان حتى لا يتهم الرئيس الجديد بدعم وتبني الإسلام وأنه يسعى لأسلمة الدولة وتلك تهمة من الخير نفيها بالمرة.
لقد نسي هؤلاء القوم الحقائق الآتية:
القبور يزورها الناس للعظة وليس للتفاخر والتباهي , لما رواه مسلم عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ ، فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ....) فهي تذكر بالآخرة وأن الدنيا دار الفناء وعلى الإنسان الاستعداد للقاء الله تعالى بالعمل الصالح والندم والعزم على تصحيح سيئات الماضي.
هذه القبور التي يننيها الكبراء والزعماء هل تلين القلب أم تزيده قسوة إلى قسوته؟
هل المطلوب تحويل القبر إلى مزار سياحي يأتي له السائحون من كل بقاع الأرض؟
ألم  يقرأ هؤلاء عن بناء القبور في الإسلام وأهمية البعد عن الزخرفة أو البناء عليها فالأصل ألا يرتفع القبر عن الأرض إلا بمقدار ما يعرف أنه قبر حتى لا يداس بالأقدام أو ينبش دون معرفة فتنتهك حرمة الميت ً؟
هذه الأموال التي أنفقت كان الأولى إنفاقها على الفقراء والمساكين والمرضى وما أكثرهم في مصرنا الحبيبة, لدينا مواطنون اتخذوا من القبور بيوتاً لفقرهم فلماذا لم يعط هذا المبلغ لتوفير سكن يناسب آدميتهم وذلك من باب الصدقة الجارية على روح الرئيس المتوفى؟
هذا والله خير آلاف المرات من وضعه في التراب كنوع من التباهي في مكان الأجدر فيه التواضع للمولى عز وجل.
وهذا المشهد يذكرني بقول الشاعر:
أرى أهل القبور إذا أميتوا
بنوا فوق المقابر بالصخور
أبوا إلا مباهاة وفخراً
على الفقراء حتى في القبور
فإن يكن التفاضل في ذراها
فإن العدل فيها في القعور
لعمرك لو كشفت التراب عنهم
لما عرف الغني من الفقير
ولا عرف العبيد من الموالي
ولا عرف الإناث من الذكور
ولا من كان يلبس ثوب صوف
من الجسد المنعم بالحرير
إذا أكل الثرى هذا وذاك
فما فضل الغني على الفقير
وهل المقابر بهذا الشكل والزخرفة يمنع العذاب عمن يسكنها؟
هل وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؟
هل هذا العمل من فضائل الأعمال؟
هل ممن يصل ثوابه للميت بعد موته؟
إن هؤلاء يعيشون وكأنهم مخلدون وحتى وإن ماتوا فعلى الشعوب ألا تنساهم ولذلك ساعدوا البسطاء بوسيلة تجعل الزعيم حياً في قلوب الناس أبد الدهر, ولذلك هداهم شيطانهم إلى بناء المقابر على هذا الشكل وتلك الصورة والتي تتعارض مع روح ديننا الإسلامي العظيم.
عن هانىء مولى عثمان بن عفان قال كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكي حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتذكر القبر فتبكي فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر وإن لم ينج منه فما بعده أشد " , قال وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه " رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
فهل هذه القبور تذكرنا بلقاء الله عز وجل؟
وكأنني أتخيل أن جمال مبارك كان ينتظر توليه مقاليد الأـمور في مصر ويقوم كل عام بزيارة قبر والده وسط حشود من وسائل الإعلام وينقل الخبر على الهواء مباشرة وتسارع القنوات العالمية بنقل الحدث في ساعته, وتقطع نشرات الأخبار عندنا في أرض الكنانة لنقل هذه الزيارة التاريخية وتروى الحكايات والقصص عن بطولات الزعيم السابق وأفضاله العظيمة على البلاد ومن أهمها أنه أهدانا بهدية لا تقدر بمال الدنيا كلها وهو ابنه الذي سيسير على نهج والده المرحوم في تجويعنا وقهرنا وإذلالنا كما سار والده صاحب الإنجازات في تدمير البلاد وتخريبها.
لقد استدعى ذلك المشهد ما حدث مع أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى لمَّا رفض كسوة الكعبة المشرفة كما جرت العادة بذلك كل عام وقال قولته الشهيرة: إني رأيت أن أجعل ذلك (ثمن كسوة الكعبة) في أكباد جائعة، فإنه أولى بذلك من البيت.
اللهم ول أمورنا خيارنا ولا تول أمورنا شرارنا واحفظ مصر من كل مكروه وسوء وارزقنا حسن الخاتمة وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لمن يريد صناعة باتشات ل PES من الالف للياء

حمل أجمل أناشيد فور شباب

هكذا يستعد الشباب السعودي لاستقبال الحجاج